| "النهار" الثلثاء 30 تشرين الاول 2001 |
هدفها إطلاق فكرة السياحة الزراعية والعودة إلى التراث
كرخانة الحرير في بسوس متحف صناعة أحيت لبنان
أبوابها مفتوحة لطلاب الجامعات والمدارس ومحبّي الطبيعة
"نام عَ حرير" مثل لبناني قديم كان يعني الطمأنينة وراحة البال في انتظار موسم الحرير المنقذ من العوَز. ولكن اين نحن اليوم من راحة البال، والحرير الاصلي، ومواسم الغلال الخيّرة؟
قد يكون الحنين الى أيام الصفاء والهناء هو الذي قاد جورج عسيلي الى قرية بسوس الهادئة في قضاء عاليه، لاعادة فتح "كرخانة الحرير" واحياء حرفة تراثية كانت عاملا رئيسيا في ازدهار جبل لبنان منذ عهد الامير فخر الدين المعني الكبير وحتى الحرب العالمية الاولى.
على بعد 15 كلم من بيروت، في منطقة بدأ العمران العشوائي والاسمنت يهددان أحراجها، تلفت فسحة خضراء تمتد على مساحة نحو 65 الف متر مربع، مزروعة بمختلف أنواع النباتات والاشجار والازهار، يتوسطها بعض المباني العتيقة الحلوة والمرممة.
انه العقار الذي اشتراه العسيلي مطلع السبعينات من انسباء له لجعله منزلا له ولزوجته، "لأن أهم شيء بالنسبة الينا هي الارض والاخضرار. خلال اعوام الحرب كنا نصلح ما يصاب، وبعد انتهائها عام ،1990 باشرنا العمل في الارض، بالتعاون مع اصدقاء فرنسيين زاروا المكان وأحبوه جدا، لاعادة المزروعات اليها. فأعدنا تسوية الارض وغرسنا اشجارا ونباتات اصلية وقديمة تكاد تدثر اليوم، كالزعرور والحنبلاس والعناب والزيتون وغيرها، لتتلاءم مع الطبيعة اللبنانية. بعدها بدأنا بالحجر، فرممنا بعض الغرف، ثم انتقلنا الى الكرخانة التي كانت في الاصل معملا لانتاج الحرير أقفل في الحرب العالمية الاولى. ولم يبق منه سوى بعض الآلات المخرّبة بعدما تحول حظيرة للغنم والماعز مدة طويلة.
لكن هندسة الكرخانة وعمارتها وأهميتها التراثية اصبحت نادرة وتعد كنزا. واعتبرنا، زوجتي وأنا، ان هذا التراث لا يخصنا وحدنا بل هو لكل البلد. فقررنا ان نجعل من هذا المكان التراثي متحفا للأجيال الجديدة ليطلعوا على أصول اقتصاد لبنان وركائزه في القرنين التاسع عشر ومطلع العشرين الذي كان يقوم على الحرير، فكان المزارع والصناعي والتاجر يعيشون من صناعته. وكان الحرير أحد الاسباب التي أوجدت العلاقة والتبادل مع الغرب، كما أتى بالمصارف والجامعة اليسوعية وغيرها من المؤسسات الى لبنان".
متحف وبيت
كل ما في هذا المكان يعيدنا الى أيام زمان، ولا سيما كرخانة الحرير التي بنيت عام ،1901 والاجواء العابقة برائحة الزيتون والياسمين والحنبلاس، والغرف المبنية من الحجر والعقد، وسقف القرميد "والتكنة"، والابواب الخشبية التي تعود الى مئة عام.
العقار مقسم حاليا ثلاثة أقسام: الكرخانة والاقسام التابعة لها، البيت الذي يسكنه آل العسيلي حاليا والبساتين التي تحوطه وتشكل الجزء الأكبر من العقار. وهناك ايضا بيت عتيق في الاعلى، مقفل حاليا في انتظار ان يصله الترميم.
تمتد كرخانة بسوس على مساحة 1500 متر مربع، وعلى طراز معظم معامل الحرير التي كانت قائمة في لبنان، تتألف من غرفة كبيرة مستطيلة مبنية من الحجر، وحيطان ثخينة ذات نوافذ كثيرة، وفتحات او منافذ في الاعلى للتهوئة. كانت الفتيات يعملن فيها وينتجن الخيط من الشرنقة الى الحياكة، مرورا بالتخنيق والسلق والحل والتوضيب وتصنيع خيط الحرير، ليرسل بعدها الخيوط الى التبييض والصباغ. والى جانبها غرفة للادارة او صاحب المعمل. وهناك ايضا مدخنة طويلة من الحجر يخرج منها بخار الموقد الكبير (على الحطب) وحواليها بستان مغروس بأشجار التوت.
العام الفائت قام طلاب من قسم التصوير في جامعتي القديس يوسف والروح القدس بتصوير الكرخانات الباقية في لبنان، فتبين انها مهدمة في معظمها، وكانت تنتشر في اجمل المناطق اللبنانية ولا سيما في جبل لبنان، وتوزع معظمها في قرى المتن والشوف، في القريّة ومعاصر الشوف، وبيت الدين، والفريكة حيث تم اصلاحها وتستعمل حاليا كمركز لمسرح اختباري، وعين القبو، والمتين، وصليما، والسفيرة، وعين تراز، والقعقور وغيرها، لم يبق منها سوى الاطلال.
الكرخانة الرئيسية
تضم الكرخانة حاليا بعض الماكينات القديمة والادوات النحاسية التي كانت تستعمل لتصنيع الفيالج وخيوط الحرير، الى نول فرنسي قديم. وعلى الجدران علقت صور لمراحل تصنيع الحرير،واخرى لكرخانات لبنانية قديمة. كما تعرض مجموعة طوابع تؤرخ لمؤتمر دولي عن صناعة الحرير عقد في بيروت عام ،1930 وآخر عام ،1960 الى كتاب صدر حديثا لريمون عودة عن تاريخ المصارف في لبنان، جاء فيه ان اول مصرف فتح ابوابه في بيروت كان المصرف العثماني، لأنه كان في لبنان انتاج وصناعة وتصدير للحرير الى الخارج، وتمّ فتح هذا المصرف لتمويل تصنيع الحرير وتصديره.
الى هذه الغرفة الرئيسية، ثمة صالة للحياكة اعيد بناء تكنتها والسقف الخشبي فيها كما كانا، وتم تحويلها صالة عرض او مؤتمرات، عقد فيها "مؤتمر الحرير" منتصف تشرين الاول الجاري. كما اقيمت صالة صغيرة لعرض منتجات المونة اللبنانية ومطرزات وشالات من الحرير الخالص زينت اطرافها بالشرانق.
قبالة الكرخانة الرئيسية يقوم مبنى مؤلف من 4 غرف وقبو كانت ملحقة بها. وحافظ آل العسيلي على الطابع التراثي القديم للمبنى من الخارج، وحولوه من الداخل بيتا سكنيا مجهزا بمختلف وسائل الراحة والادوات المنزلية الحديثة.
اما البساتين والحدائق المحيطة فحدِّث ولا حرج. سطيحات ومصاطب وسط جلولٍ اصبحت نادرة وتكاد تنقرض في لبنان. منذ البداية تعاونت سيدة المكان الكسندرا عسيلي والخبيرة الفرنسية في علم النبات فرنسواز لونوبل بريدين ومهندس المناظر تييري هيو لتحويل المساحات الخضر فيه "متحفا نباتيا". وحاولوا العثور على النباتات القديمة لاعادة زراعتها وتطويرها، كالزعرور والصعتر والحنبلاس ووردة الداتورا الحمراء التي كانت موجودة في كل بيت من بيوت بيروت، كما زرعوا انواعا عدة من الاشجار المثمرة كالليمون الافندي والكريب فروت والبوصفير والمشمش والزيتون والاكي دني وغيرها من النباتات التي تتوزع في الجلول وتزين هذا المكان الجميل وتعطيه ميزة بيئية خاصة.
ومنذ ثلاثة اعوام، يأتي فريق من طلاب الزراعة في "ليسيه سان جرمان ان - ليي" الفرنسية لمدة شهر ونصف شهر للعمل في البساتين وتعليم ابناء الضيعة ومساعدتهم في مجال الزراعة. ويقول عسيلي انه "سيتم فتح هذه الحديقة النباتية امام الزوار، وخصوصا التلامذة والاولاد، لتنمية حس المحافظة على الطبيعة والارض عندهم، وتشجيعهم وحثهم على العمل في الزراعة، علما ان الهدف من انشائها هو اطلاق فكرة السياحة الزراعية في لبنان". وسيكون المكان مفتوحا امام الطلاب لزيارة الكرخانة والاطلاع على صناعة الحريري الطببيعي التي كانت السبب الرئيسي في ازدهار جبل لبنان في القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، والتجول في الحقول المجاورة لمعاينة مزروعات خاصة بلبنان ومنطقة الشرق الاوسط تكاد تنقرض.
احياء الكرخانة في بسوس اعاد الى الضيعة بعض العادات القديمة فأعيد رسم طريق المشوار، وتم اكتشاف نبع قديم اعيد ترميمه، كما اقيمت فيها ثلاثة معارض.
متحف فريد
ماذا بعد ترميم هذا المكان؟ وهل سيعيد جورج عسيلي تربية دودة القز واحياء صناعة الحرير الطبيعي؟
يجيب: "اقمنا مؤتمرا عن بدايات صناعة الحرير وتطورها ونموها واندثارها، ابتداء من القرن التاسع عشر الى اليوم، كما تم البحث في افاق مستقبلها وامكان احيائها، شارك فيه اختصاصيون فرنسيون ولبنانيون.
ومن توصيات المؤتمر، وهو ما نحن في صدده اليوم، اجراء دراسة جدوى اقتصادية عن:
1 - زراعة التوت وتربية دود القز لانتاج الشرانق، واذا كانت هناك سوق بأسعار معقولة لانتاج ما.
2 - احياء مكتب الحرير الذي ترعاه وزارة الزراعة والمغلق منذ عام 1982 رغم المساعدات والقروض المخصصة له، من "البنك الاسلامي" مثلا وغيره، لاعادة تأهيله، ولكن لسوء الحظ لم يحصل شيء.
3 - هناك ايضا صناعة حياكة الحرير وصبغها وتحضيرها. وما نحاول فعله الان، هو محاولة ايجاد شراكة تجارية مع شركات اوروبية تعقد اتفاقات مع بلدان كلبنان وتونس والمغرب ومصر لاحياء هذه الصناعة".
اضاف: "ميزة الحرير اللبناني انه ينتج محليا، ولا ضرورة لاستيراد الالياف من الخارج كالقطن. فالمزارع اللبناني هو من يزرع شجر التوت ويربي دودة القز ويصنع الحرير في ضيعته ويبقى فيها، مما يحيي القرى ويخفف من الهجرة الى المدينة. والمعمل هنا مثلا يمكنه ان يشغل نحو 250 عاملا وعاملة، وفي الماضي كان كل أهل الضيعة والجوار يعملون فيه. ويأتينا حاليا عدد كبير من العمال من قرى عدة في مختلف المناطق مطالبين باعادة احياء هذه الحرفة التراثية. ميزة لبنان ان زراعة التوت فيه ممكنة، وهي من النوع الجيد بسبب المناخ والطبيعة والتربة ووجود الماء، كما ان زراعة التوت وانتاج شرانق دودة القز لا يسببان عائقا ولا أذى للبيئة والطبيعة لانهما لا يبقيان فضلات، بل ان الدودة ومخلفاتها يعاد استعمالها سمادا للزراعة او علفا للحيوانات، مما يؤمن دورة حياة طبيعية متكاملة".
في انتظار دراسات الجدوى ماذا سيحل بالمكان؟
بفرح يقول عسيلي ان "مبنى الكرخانة سيتحول متحفا للحرير. ونحن الآن في صدد اصلاح النول وبعض الماكينات الموجودة. وبالاتفاق مع مدينة ليون، سيرسل الفرنسيون نولا قديما، وسيصبح المكان عبارة عن مدرسة صغيرة للتلامذة كي يطلعوا على صناعة الحرير. وبالفعل بدأت مدارس عدة تنظم زيارات لطلابها الذين تراوح اعمارهم بين 8 و16 عاما الى المكان، وتستقبلهم مضيفات لبنانيات وفرنسيات لتقديم الشرح الوافي عن صناعة الحرير، ثم يتجولون في الحقول والبساتين المحيطة للاطلاع على النباتات المزروعة وانواعها وطريقة العناية بها وبالارض، وتوعيتهم على اهميتها وضرورة احترام البيئة والطبيعة".
جمعية
وضع آل العسيلي المكان في تصرف "جمعية التراث والانماء" التي تقوم سيداتها المتطوعات بهذا العمل التثقيفي والتربوي الرائد، والاتصال بالمدارس والتنسيق معها لتنظيم هذه اللقاءات. وهو فاتحة نشاطات بيئية وتراثية اخرى.
تأسست الجمعية بموجب ترخيص وزاري رقمه 140/أد تاريخ 12 تشرين الاول ،2000 وهدفها المحافظة على التراث والنبات وتنميتهما. وقد عقدت اتفاقا مع المدرسة الزراعية "ليسيه سان جرمان آن لي" الفرنسية لانشاء مدرسة في بسوس للتخصص في علم الحدائق والبستنة، وهذا امر غير متوافر في لبنان. كما ستتعاون مع بلدية بيروت لاعادة فتح حرج الصنوبر في العاصمة، بالتنسيق مع "ايل دو فرانس" التي ابدت استعدادها لتمويل هذا النشاط بواسطة الليسيه. كما ستعقد اتفاقا آخر قريبا مع "مؤسسة معوض" له علاقة بالبيئة والاشغال اليدوية الحرفية.
وفي النهاية سؤال الى المعنيين: لماذا لا يتم تشجيع زراعة التوت بديلا من الزراعات الممنوعة، وخصوصا انها تشكل مع صناعة الحرير عملية متكاملة يتزايد عليها الطلب كثيرا بينما العرض شبه معدوم؟
مي عبود ابي عقل
ReplyDeleteشركة كشف تسربات المياه بالرياض
شركة تنظيف بجدة
شركة تنظيف فلل بالرياض
شركة تنظيف بالرياض
شركة مكافحة حشرات بالرياض
شركة رش مبيدات بالرياض
شركة تنظيف بسيهات
شركة كشف تسربات المياه بالرياض
شركة نقل اثاث بالدمام
شركة تنظيف بمكة
شركة اكشف تسربات بسيهات
شركة نقل اثاث بسيهات